فصل: تفسير الآيات (75- 78):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (73- 74):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)}

.شرح الكلمات:

{جاهد الكفار}: ابذل غاية جهدك في قتال الكفار والمنافقين.
{واغلظ عليهم}: أي في القول والفعل أي شدد عليهم ولا تلن لهم.
{كلمة الكفر}: أي كلمة يكفر بها من قالها وهي قول الجلاس بن سويد: إن كان ما جاء به محمد حقاً لنحن شرّ من الحمير.
{وهموا بما لم ينالوا}: أي هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في مؤامرة دنيئة وهم عائدون من تبوك.
{وما نقموا إلا أن أغناهم}: أي ما أنكروا أو كرهوا من الإِسلام ورسوله إلا أن أغناهم الله بعد فقر أعلى مثل هذا يهمون بقتل رسول الله؟

.معنى الآيتين:

يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين فيقول {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} وجهاد الكفار يكون بالسلاح وجهاد المنافقين يكون باللسان، وقوله تعالى: {واغلظ عليهم} أي شدد عملك وقولك، فلا هوادة مع من كفر بالله ورسوله، ومع من نافق الرسول والمؤمنين فأظهر الإِيمان وأسر الكفر وقوله تعالى: {ومأواهم جهنم وبئس المصير} أي جهنم يريد ابذل ما في وسعك في جهادهم قتلاً وتأديباً هذ لهم في الدنيا، وفي الآخرة مأواهم جهنم وبئس المصير، وقوله تعالى في الآية الثانية (74): {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر بعد إسلامهم وهما بما لم ينالوا} هذا الكلام علّة للأمر بجهادهم الإِغلاظ عليهم لقول الجلاس بن سويد المنافق: لئن كان ما جاء به محمد حقاً لنحن شر من الحمير سمعه منه أحد المؤمنين فبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاه الجلائ يعتذر ويحلف بالله ما قال الذي قال فأكذبه الله تعالى في قوله في هذه الآية: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} والسياق دال على تكرر مثل هذا القول الخبيث وهو كذلك. قوله تعالى: {وهموا بما لم ينالوا} يعني المنافقين الذين تآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من تبوك في عقبة في الطريق إلا أن الله فضحهم وحيّب مساعهم ونجى رسوله منهم حيث بعث عمار بن ياسر يضرب وجوه الرواةحللما غشوه فردوا وتفرقوا بعد أن عزموا على أن يزاحموا رسول الله وهو على ناقته بنوقهم حتى يسقط منها فيهلك أهلكهم الله. وقوله تعالى: {وما نقموا} أي وما كرهوا من رسول الله ولا من الإِسلام شيئاً إلا أن أغنهم الله ورسوله من فضله وهل الغنى بعد الفقر مما ينقم منه، والجواب لا ولكنه الكفر والنفاق يفسد الذوق والفطرة والعقل أيضاً.
ومع هذا الذي قاموا به من الكفر والشر والفساد يفتح الرب الرحيم تبارك وتعالى باب التوبة في وجوههم ويقول {فإن يتوبوا} من هذا الكفر والنفاق والشر والفساد يك ذلك {خيراً لهم} حالاً ومآلاً أي في الدنيا والآخرة، {وإن يتولوا} عن هذا العرض ويرفضوه فيصرون على الكفر والنفاق {يعذبهم الله عذاباً أليماً} أي موجعاً في الدنيا بالقتل والخزي، وفي الآخر بعذاب النار، {وما لهم في الأرض من ولي} يتولاهم ولا ناصر ينصرهم، أي وليس لهم في الدنيا من ولي يدفع عنهم ما أراد الله أن ينزله بهم من الخزي والعذاب وما لهم من ناصر ينصرهم بعد أن يخذلهم الله سبحانه وتعالى.

.من هداية الآيتين:

1- بيان آية السيف وهي {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين}.
2- تقرير مبدأ الردة وهي أن يقول المسلم كلمة الكفر فيكفر بها وذلك كالطعن في الإِسلام أو سب الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو التكذيب بما أمر الله تعالى بالإِيمان به والتصديق بضده أي بما أمر الله بتكذيبه.
3- تقرير مبدأ التوبة من كل الذنوب، وأن من تاب تقبل توبته.
4- الوعيد الشديد لمن يصر على الكفر ويموت عليه.

.تفسير الآيات (75- 78):

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)}

.شرح الكلمات:

{ومنهم}: أي من المنافقين.
{لئن آتانا من فضله}: أي مالاً كثيراً.
{بخلوا به}: أي منعوه فلم يؤدوا حقه من زكاة وغيرها.
{فأعقبهم نفاقاً}: أي فأورثهم البخل نفاقاً ملازماً لقلوبهم لا يفارقها إلى يوم يلقون الله تعالى.
{بما أخلفوا الله}: أي بسبب إخلافهم ما وعدوا الله تعالى به.
{سرهم ونجواهم}: أي ما يسرونه في نفوسهم ويخفونه، وما يتناجون به فيما بينهم.
{علام الغيوب}: يعلم كل غيب في الأرض أو في السماء.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في المنافقين وهم أصناف وهذا صنف آخر منهم قد عاهد الله تعالى لئن إغناهم من فضله وأصبحوا ذوي ثروة وما كثير ليصدقن منه ولينفقنّه في طريق البر والخير، فلما أعطاهم الله ما سألوا وكثر مالهم شحوا به وبخلوا، وتولوا عما تعهدوا به وما كانوا عليه من تقوى وصلاح، وهم معرضون. فأورثهم هذا البخل وخلف الوعد والكذب {نفاقاً في قلوبهم} لا يفارقهم حتى يلقوا ربهم. هذا ما دل عليه قوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} أما الآية الأخيرة (78) وهي قوله تعالى: {ألم يعلموا أن الله} يعلم الذين عاهدوا الله وأخلفوه بموقفهم الشائن كأنهم لا يعلمون أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأنه تعالى علام الغيوب، وإلا كيف يعدونه يحلفون له أم يحسبون أن الله لا يسمع سرهم ونجواهم فموقفهم هذا موقف مخز لهم شائن، وويل لهم حيث لازمهم ثمرته وهو النفاق حتى الموت وبهذا أغلق باب التوبة في وجوههم وهلكوا مع الهالكين.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الوفاء بالعهود وخاصة عهود الله تعالى.
2- ذم البخل وأهله.
3- تقرير مبدأ أن السيئة يتولد عنها سيئة.
4- جواز تقريع وتأنيب أهل الباطل.
5- وجوب مراقبة الله تعالى إذ لو راقب هؤلاء المنافقون الله تعالى لما خرجوا عن طاعته.

.تفسير الآيات (79- 80):

{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}

.شرح الكلمات:

{يلمزون}: أي يعيبون ويطعنون.
{المطوّعين}: أي المتصدقين بأمواله زيادة على الفريضة.
{إلا جهدهم}: إلا طاقتهم وما يقدرون عليه فيأتون به.
{فيسخرون منهم}: أي يستهزئون بهم احتقاراً لهم.
{استفغر لهم}: أي اطلب له المغفرة أو لا تطلب.
{لا يهدي القوم الفاسقين}: أي إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم وذلك لتوغلهم في العصيان.

.معنى الآيتين:

ما زال السياق في التنديد بالمنافقين وكشف عوارهم فقد أخبر تعالى أن {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم}. أخبر تعالى أنه سخر منهم جزاء سخريتهم بالمتصدقين وتوعدهم بالعذاب الأليم. وكيفية لمزهم المتطوعين أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى الصدقة فإذا جاء الرجل بمال كثير لمزوه وقالوا مراء، وإذا جاء الرجل بالقليل لمزوه وقالوا: الله غني عن صاعك هذا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية ففضحهم وسخر منهم وتوعدهم بأليم العذاب وأخبر نبيه أن استغفاره له وعدمه سواء فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} وبين علة ذلك بقوله: {ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله}، وهذه العلة كافية في عدم المغفرة لهم لأنها الكفر والكافر مخلد في النار. وأخبر تعالى أنه حرمهم الهداية فلا يتوبوا فقال: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} لأن الفسق قد أصبح وصفاً لازماً لهم فلذا هم لا يتوبون، وبذلك حرموا هداية الله تعالى.

.من هداية الآيتين:

1- حرمة لمزا المؤمن والطعن فيه.
2- حرمة السخرية بالمؤمن.
3- غيرة الله على أوليائه حيث سخر الله ممن سخر من المطوعين.
4- من مات على الكفر لا ينفعه الاستغفار له، بل ولا يجوز الاستغفار له.
5- التوغل في الفسق أو الكفر أو الظلم يحرم صاحبه الهداية.

.تفسير الآيات (81- 83):

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)}

.شرح الكلمات:

{فرح المخلفون}: أي سرّ الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وقالوا لا تنفروا في الحر}: أي قال المنافقون لبعضهم بعضاً لا تخرجوا للغزو في الحر.
{لو كانوا يفقهون}: أي لو كانوا يفقهون أسرار الأمور وعواقبها ونتائجها لما قالوا: لا تنفروا في الحر ولكنهم لا يفقهون.
{فليضحكوا قليلاً وليبكوا}: أي في الدنيا، وليبكوا كثيراً في الدار الآخرة.
{فإن رجعك الله إلى طائفة منهم}: أي من المنافقين.
{فاعقدوا مع الخالفين}: أي المختلفين عن تبوك من النساء والأطفال وأصحاب الأعذار.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن المنافقين فقال تعالى مخبراً عنهم: {فرح المخلفون} أي سر المتخلفون {بمقعدهم خلاف رسول الله} أي بقعودهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة {وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} في سبيله، وكرههم هذا للجهاد هو ثمرة نفاقهم وكفرهم وقولهم {لا تنفروا في الحر} لأن غزوة تبوك كانت في شدة الحر، قالوا هذا لبعضهم بعضاً وهنا أمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم قولهم هذا فقال: {قل نار جهنم أشد حراً} فلماذا لا لتَّقونها بالخروج في سبيل الله كما يتقون الحر بعدم الخروج، وقوله تعالى: {لو كانوا يفقهون} أي لما تخلفوا عن الجهاد لأن نار جهنم أشد حراً، ولكنهم لا يفقهون وقوله تعالى: {فليضحكوا قليلاً} أي في هذه الحياة النيا بما يحصل لهم من المسرات {وليبكوا كثيراً} أي يوم القيامة لما ينالهم من الحرمان العذاب، وذلك كان {جزاء بما كانوا يكسبون} من الشر والفساد، وقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم} أي فإن ردك الله سالماً من تبوك إلى المدينة إلى طائفة من المنافقين {فستأذنوك للخروج} معك لغزو وجهاد {فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً} وعلة ذلك {أنكم رضيتم بالعقود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين} أي من النساء والأطفال فإن هذا يزيد في همهم ويعظم حسرتهم جزاء تخلفهم عن رسول الله وكراهيتهم الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله.

.من هداية الآيات:

1- من علامات النفاق الفرح بترك طاعة الله ورسوله.
2- من علامات النفاق كراهية طاعة الله ورسوله.
3- كراهية الضحك والإِكثار منه.
4- تعمد ترك الطاعة قد يسبب الحرمات منها.

.تفسير الآيات (84- 85):

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)}

.شرح الكلمات:

{ولا تصل على أحد}: أي صلاة الجنازة.
{ولا تقم على قبره}: أي لا تتول دفنه له كما تفعل مع المؤمنين.
{وماتوا وهم فاسقون}: أي خارجون عن طاعة الله ورسوله.
{وتزهق أنفسهم}: أي تخرج أرواحهم بالموت وهم كافرون.

.معنى الآيتين:

ما زال السياق في شأن المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك، وإن كانت هذه الآية نزلت فيشأن عب الله بن أبي بن سلول كبير المنافقين وذلك أنه لما مات طلب ولده الحباب الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وقال له الحباب اسم الشيطان وسماه عبد الله جاءه فقال يا رسول الله إن أبي قد مات فأعطني قميصك أكفنه فيه رجاء بركته وصل عليه واستغفر له يا رسول الله فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص وقال له: «إذا فرغتم فآذنوني» فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر وقال له: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال: «بل خيرني فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم}». فصلى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} أي لا تتول دفنه والدعاء له بالتثبيت عند المسألة. وعلل تعالى لهذا الحكم بقوله: {إنهم كفروا بالله ورسووله وماتوا وهم فاسقون}، وقوله: {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} فتصلي عليهم. إني إنما أعطيتهم ذلك لا كرامة لهم وإنما لأعذبهم بها في الدنيا بالغموم والهموم {وتزهق أنفسهم} أي ويموتوا {وهم كافرون} فسينقلون إلى عذاب أبدي لا يخرجون منه، وذلك جزاء من كفر بالله ورسوله.

.من هداية الآيتين:

1- حرمة الصلاة على الكافر مطلقاً.
2- حرمة غسل الكافر والقيام على دفنه والدعاء له.
3- كراهة الصلاة على أهل الفسق دون الكفر.
4- حرمة الإِعجاب بأحوال الكافرين المادية.

.تفسير الآيات (86- 90):

{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)}

.شرح الكلمات:

{استأذنك}: أي طلبوا إذنك لهم بالتخلف.
{أولوا الطول منهم}: أي أولو الثروة والغنى.
{ذرنا نكن مع القاعدين}: أي اتركنا مع المتخلفين من العجزة والمرضى والأطفال والنساء.
{مع الخوالف}: أي مع النساء جمع خالفة المرأة تخلف الرجل في البيت إذا غاب.
{طبع على قلوبهم}: أي توالت ذنوبهم على قلوبهم فأصبحت طابعاً عليهم فحجبتها. المعرفة.
{لهم الخيرات}: أي في الدنيا بالنصر والغنيمة. وفي الآخرة بالجنة والكرامة فيها.
{وأولئك هم المفلحون}: أي الفائزون بالسلامة من المخوف والظفر بالمحبوب.
{المعذرون}: أي المتعذرون.
{وقعد الذين كذبوا الله}: أي ولم يأت إلى طلب الإِذن بالعقود عن الجهاد منافقوا الأعراب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في كشف عورات المنافقين وبيان أحوالهم فقال تعالى: {وإذا أنزلت سورة} أي قطعة من القرآن آية أو آيات {أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله} أي تأمر بالإِيمان بالله والجهاد مع رسوله {استأذنك أولوا الطول منهم} أي من المنافقين {وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين} أي المتخلفين عن الجهاد للعجز كالمرضى والنساء والأطفال قال تعالى: في عيبهم وتأنيبهم {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي مع النساء وذلك لجبنهم وهزيمتهم النفسية وقوله تعالى: {وطبع على قلوبهم} أي طبع الله على قلوبهم بآثار ذنوبهم التي رانت على قلوبهم فلذا هم لا يفقهون معنى الكلام وإلا لما رضوا بوصمة العار وهي أن يكونوا في البيوت مع النساء هذه حال المنافقين وتلك فضائحهم إذا أنزل سورة تأمر بالإِيمان والجهاد يأتون في غير حياء ولا كرامة يستأذنون في البقاء مع النساء {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأمواله وأنفسهم} ولم يستأذنوا ففازوا بكرامة الدنيا. والآخرة قال تعالى: {وأولئك لهم الخيرات} أي في الدنيا بالانتصارات والغنائم وفي الآخرة بالجنة ونعيمها ورضوان الله فيها. وقال: {وأولئك هم المفلحون} أي الفائزون بالسلامة من كل مرهوب وبالظفر بكل مرغوب وفسر تعالى تلك الخيرات وذلك الفلاح بقوله في الآية (89) فقال: {أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} وأخبر عما أعد لهم من ذلك النعيم المقيم بأنه الفوز فقال: {ذلك الفوز العظيم}. هذا ما لت عليه الآيات الأربع أما الآية الخامسة (90) فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن منافقي الأعراب أي البادية. فقال تعالى: {وجاء المعذرون} أي المعتذرون ادغمت التاء في الذال فصارت المعذرون من الأعراب أي من سكان البادية كأسد وغطفان ورهط عامر بن الطفيل جاءوا يطلبون الإِذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخلف بدعوى الجهد المخمصة، وقد يكونون معذورين حقاً وقد لا يكونون كذلك، وقوله: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله} في دعوى الإِيمان بالله ورسوله وما هم بمؤمنين بل هم كافرون منافقون، فلذا قال تعالى فيهم {سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم} في الدنيا وفي الآخرة، إن ماتوا على كفرهم.

.من هداية الآيات:

1- القرآن هو مصدر التشريع الإِلهي الأول والسنة الثاني.
2- مشروعية الاستئذان للحاجة الملحة.
3- حرمة الاستئذان للتخلف عن الجهاد مع القدرة عليه.
4- حرمة التخلف عن الجها بدون إذن من الإمام.
5- فضل الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله.
6- بيان عظم الأجر وعظيم الجزاء لأهل الإِيمان والجهاد.

.تفسير الآيات (91- 92):

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}

.شرح الكلمات:

{على الضعفاء}: أي كالشيوخ. ولا على المرضى: كالعمى والزَمْنَى.
{حرج}: إي إثم على التخلف.
{إذا نصحوا لله ورسوله}: أي لا حرج عليهم في التخلف إذا نصحوا لله ورسوله وذلك بطاعتهم لله ورسوله مع تركهم الإِرجاف والتثبيط.
{ما على المحسنين من سبيل}: أي من طريق إلى مؤاخذتهم.
{لتحملهم}: أي على رواحل يركبونها.
{تولوا}: أي رجعوا إلى بيوتهم.
{تفيض من الدمع}: أي تسيل بالدموع حزناً على عدم الخروج.

.معنى الآيتين:

لما ندد تعالى بالمتخلفين وتوعد بالعذاب الأليم الذين لم يعتذروا منهم ذكر في هذه الآيات أنه لا حرج على أصحاب الأعزار وهم الضعفاء، كالشيوخ والمرضى والعميان وذوو العرج والفقراء الذين لا يجدون ماينفقون ولكن بشرط نصحهم لله ورسوله فقال عز وجل: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج}. أي إثم {إذا نصحوا لله ورسوله} ومعنى النصح لله ورسوله طاعتهما في الأمر والنهي وترك الإِرجاف والتثبيط ولادعاية المضادة لله ورسوله والمؤمنين والجهاد في سبيل وقوله تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} أي ليس على من أحسنوا في تخلفهم لأنه أولاً بعذر شرعي وثانياً هم مطيعون لله ورسوله وثالثاً قلوبهم ووجوههم مع الله ورسوله وإن تخلفوا بأجسادهم للعذر فهؤلاء ما عليهم من طريق إلى انتقاصهم أو أذيتهم بحال من الأحوال، كما ليس من سبيل {على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} إلى الجهاد معك في سيرك {قلت} معتذراً إليهم {لا أجد ما أحملكم عليه تولوا} أي رجعوا إلى منازلهم وهم يبكون والدموع تفيض من أعينهم حزناً {ألا يجدون ما ينفقون} في سيرهم معكم وهم نفر منهم العرباص بن سارية وبنو مقرن وهم بطن من مزينة. رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

.من هداية الآيتين:

1- لا حرج على أصحاب الأعذار الذين ذكر الله تعالى في قوله: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} وفي هذه الآية: {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون} حرج وبشرط طاعة الله والرسول فيما يستطيعون والنصح لله والرسول بالقول والعمل وترك التثبيط والتخذيل والإِرجاف من الإِشاعات المضادة للإِسلام والمسلمين.
2- مظاهر الكمال المحمدي في تواضعه ورحمته وبره وإحسانه إلى المؤمنين.
3- بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار من الإِيمان واليقين والسمع والطاعة والمحبة والولاء ورقة القلوب وصفاء الأرواح.
اللهم إنا نحبهم بحبك فأحببنا كما أحببتهم واجمعنا معهم في دار كرامتك.